الجمعة، ٩ أكتوبر ٢٠٠٩

جاك ديريدا : الخوف من الكتابة

مقابلة مع ديريدا علي هامش الفيلم الوثائقي Derrida 2002
في كل مرة أكتب فيها شيئاً وأشعر بأنني اتقدم نحو منطقة جديدة، الي مكان جديد لم اذهب اليه من قبل، هذا النوع من التقدم يتطلب غالباً إيماءة معينة قد تؤخذ علي أنها عدائية فيما يتعلق بمفكرين آخرين او زملاء. انا لست شخصاً مجادلاً بالطبيعة ولكنه حقيقي ان الإيماءات التفكيكية تظهر لزعزعة الاستقرار أو إحداث توتر أو حتي تجريح آخرين(1).

لذا ففي كل مرة أقوم بمثل هذه الإيماءة توجد لحظات من الخوف، هذا لا يحدث وأنا أكتب ففي الحقيقة وأنا اكتب يكون لدي احساس بضرورة شئ هو أقوي من نفسي والذي يتطلب مني أن أكتب كما أكتب.

لم يحدث أن تخليت عن شيئاً كتبته لأني كنت خائفاً من عواقب معينة، لاشئ يخيفني وانا اكتب فأنا اقول ما أعتقد أنه يجب قوله.

هذا يعني انه عندما لا اكتب توجد لحظات غريبة عندما أذهب للنوم عندما آخذ قيلولة وأنام، في هذه اللحظة وانا بين النوم والصحيان فجاة اخاف مما افعله وافول لنفسي :
"أنت مجنون لتكتب هذا أنت مجنون لكي تهاجم شئ كهذا أنت مجنون كي تتحدي سلطة كهذه لتكن نصية او مؤسسية او شخصية”.

يوجد نوع من الذعر داخل لاوعيي وكأن... ماذا يمكنني أن أقارن هذه الحالة به ؟

تخيلي طفلاً يفعل شيئاً مريعاً، فرويد يتحدث عن أحلام الطفولة عندما يحلم الشخص بأنه عاري وخائف لأن الجميع يرونه عارياً. علي أية حال في تلك الحالة وانا شبه نائم يكون لدي الشعور بأني قد ارتكبت شيئاً إجرامياً، مخزيا ولا يمكن الاعتراف به وقد كان علي ألا أفعله.
شخص ما يقول لي "لكنك مجنون لتفعل شيئاً كهذا" وهذا شيئ أنا اصدقه حقاً وأنا شبه نائم والأمر المتضمن في هذا هو أن " أوقف كل شيئ، تراجع عن هذا، أحرق اوراقك ما تفعله هو غير مقبول "
ولكن بمجرد أن أستيقظ ينتهي هذا.

ما يعنيه هذا بالنسبة إلي أو كيف أفسره هو أنه عندما اكون مستيقظاً، واعياً، أعمل، بطريقة ما أكون لاواعياً بشكل أكبر منه وانا شبه نائم.
عندما أكون في حالة شبه النوم تلك يوجد نوع من اليقظة تقول لي الحقيقة أولاً وقبل كل شيئ أن ما أفعله هو جدي للغاية ولكن عندما أكون مستيقظاً وأعمل تلك اليقظة تكون في الواقع نائمة، إنها ليست الأقوي من الإثنين.
وهكذا أقوم بما يجب فعله .

ترجمة : محمد سعد

برجاء عدم استخدام الترجمة بأي شكل من الأشكال الا بعد استئذان المترجم
----------------------
(1) جدير بالذكر هنا أن ديريدا كان دائماً ما يقدم قراءات لأعمال فلاسفة سابقين عليه ولفلاسفة معاصرين مثل فوكو وشتراوس ولاكان وبارت وقد كانت تلك القراءات أحياناً سبباً في عداءات نظراً لهجومه الشديد الذي يعتمد استراتيجية تقوم علي الفضح والتعرية، وربما يمكن الاشارة هنا الي القطيعة التي دامت عشر سنوات بينه وبين فوكو والتي سببها نقده لكتاب الأخير "تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي"

جاك ديريدا : يوريكا

*يوريكا eureka كلمة يونانية تعني التعبير عن السعادة أو لحظة الانتصار أو اكتشاف شيئ ما، وهي مقابلة مع ديريدا علي هامش الفيلم الوثائقي Derrida 2002

عندما كتبت "في علم الكتابة" كان هناك شيئ آخر قد حدث، علي الرغم من أنه في نظري أن العديد من النصوص الأخري التي كتبتها بعد "في علم الكتابة" يمكن ان تعتبر [أفضل] أو يمكن ان تري علي أنها أثري أو من المحتمل أنها أكثر إثارة، بكلمات اخري كانت لها مميزات اخري، فعلي الرغم من كل هذا فالإحساس الذي كان لدي عندما كتبت "في علم الكتابة" ليس الكتاب ولكن فقط المقالتين الأولي والثانية في صيف 1965، في الواقع كان لدي إحساساً بأن شيئاً مميزاً للغاية قد حدث لي.

كان لدي احساس بأن جرأة تفسيرية Interpretative Edge، رافعة(1) A lever قد ظهرت لي، ليس الأمر أنني كتبته بنفسي، فلم يحدث لي هذا الأحساس مرة أخري حتي عندما اكون سعيداً بنص اكتبه، لم يكن لدي أبداً الشعور بأنه أنا، لذلك فلدي الشعور المزدوج بالمسئولية وعدم المسئولية عندما أكتب نصاً، عندما اكتب أشعر بغرابة بأني مسئول وغير مسئول كما لو أني دونت/سجلت شيئاً قد فرض نفسه علي، في "في علم الكتابة" كان لدي هذا الإحساس حتي بشكل أقوي، أحسست كأن شيئاً ما قد حدث لي.

لا أريد أن أعطي لهذا حساسية دينية فهو لم يكن تجلياً أو نشوة ecstasy ولكن هذا الشيئ تملكني وحدث، ليس بواسطتي وإنما حدث لي، شيئ سمح لي بأن أضع تحت تصرفي جرأة تفسيرية، رافعة كانت في غاية القوة كانت هي آلية/جهاز التفسير لقراءة "التراث" عندما أقول "تراث" فهذا هو التراث الفلسفي الغربي.

لدي الانطباع بأني أستخدم الكلمة "رافعة lever" ولكن أيضاً يمكنني أن أسميها نوع من الماكينة Machine أو جهاز apparatus للتفكير وتكنيك يمكنني من الصياغة وإقتصادياً لفك شفرات... ليس كل نص وإنما المهيمن منها في ثقافتنا.

ولكي أضع هذا بشكل أكثر وضوحاً، أتذكر جيداً ذلك الصيف حينما كتبت هاتين المقالتين وأرسلتهم للنقد، أعني المقالات الطويلة 60 صفحة وذهبنا كعائلة الي فينيسيا، انا اتذكر جيداً أني قلت لمارجريت(2) حينما كنا في البافوريتو "أتعلمين يا مارجريت... أنا أعتقد بأن شيئاً ما قد حدث للتو" وأنا اتذكر جيداً ذلك الإحساس الغريب بالجلاء/الوضوح الذي كان لدي والذي لم أشعر به من قبل، وبمعني ما لن يحدث لي مجدداً حتي بعد ذلك عندما حدث لي مثل هذه التجارب القوية مع أشياء كنت أريد أن أفعلها أو أكتبها بشكل ما كانت حتي أقوي مع نصوص مثل أجراس Glas وبطاقات معايدةPostcards والإعترافات Circumfessions فقد كانوا نوع من الإنقلابات/ الإضطرابات بالنسبة لي، زلازل صغيرة عندما كتبتهم ولكن علي الرغم من ذلك لم يحدث أبداً مجدداً أني أحسست نفس الإحساس الذي كان لدي عندما كتبت "في علم الكتابة" أن يكون شيئ ما وضع تحت تصرفي للكتابة والقراءة والتفسير...إلخ

مجدداً سوف يكون من الخطاً أن ننسب وصفاً دينياً لهذا فهذا لم يكن أبداً تجربة دينية او تحول أو حتي نشوة لم يكن هذا علي الإطلاق ولكني أحسست بلحظة إستثنائية حقيقة في عملي كما لو ان كل شيئ سوف يأتي بعدها أتي ببساطة بعدها بغض النظر عن أي شيئ آخر كان يمكن أن يحدث.

ترجمة : محمد سعد

برجاء عدم استخدام الترجمة بأي شكل من الأشكال الا بعد استئذان المترجم
---------------
(1) Interpretative edge لست متأكداً تماما من صحة الترجمة ولكن بحسب تعريف الانكارتا قد تعني edge سلوكاً أو صفة تنطوي علي مخاطرة او استفزاز ، lever قد تعني جهاز أو آله تعمل بإستخدام حركة ميكانيكية وهذا يتماشي مع وصف ديريدا لها .
(2) مارجريت ديريدا زوجته ومحلله نفسية فرنسية، والبافوريتو هو الأتوبيس النهري بإيطاليا.

الجمعة، ٢ أكتوبر ٢٠٠٩

دى سوسير .. تحديدات أولية


بقلم : محمد سعد


فرديناند دي سوسير [ 1857 – 1913 ] عالم لغويات سويسري تعد أعماله من أهم الأعمال في مجال اللسانيات ومؤسس علم السيميولوجيا ( علم العلامات ) وهو اول من حدد موضوع علم اللغة وهو يعتبر أبو البنيوية رغم أنه لم يستخدم كلمة بنية وإنما استخدم كلمة نسق أو نظام ويعتمد البنيويون عامة وشتراوس وفوكو وبارت ولاكان وديريدا خاصة علي أفكار سوسير حول الرمز في أعمالهم فهم وإن كانوا يفتقرون لبرنامج عمل موحد فهم لا يفتقرون الأصل المشترك وأهم اعمال سوسير هو كتاب "محاضرات في علم اللغة العام" وقد نشر بعد وفاته سنة 1916 بواسطة تلاميذه.

أهم ما أدخله سوسير من إضافات في علم اللغة يتحدد في ثلاثة تمييزات كما حددها جون ستروك:
اعتبر سوسير اللغة نظام من الرموز تحدد مدلولات الرموز فيه من خلال العلاقات والإختلافات بين الرموز .

1- حلل سوسير الرمز الي مكونيه الدال Signifier والمدلول Signified والدال هو الجانب الصوتي من المادي من الرمز حيث يمثل الصوت في حالة اللغة المحكية أو الحرف المكتوب في حالة اللغة المكتوبة أما المدلول فهو الجانب الذهني فهو لا يشير إلي الشيئ بل يشير الي الصورة الذهنية أو الفكرة عن الشيئ، ويؤكد سوسير علي الوحدة بين مكوني الرمز حيث يشبههما بالورقة ذات الوجهين لا يمكنك تمزيق أحدهما بدون ان تمزق الوجه الآخر.

و يمكن تطبيق التمييز بين الدال والمدلول علي رموز خارج اللغة فأي شيئ يمكن أن يكون رمزاً مثل الصور والحركات البدنية ولكن بشرط أن يحمل الرمز رسالة ما تحددها طبيعة الثقافة التي نشأ بداخلها هذا الرمز فإيماءة الوجه مثلا يعتمد معناها علي اتفاق داخل ثقافة ما علي معانها بين المرسل والملتلقي عند استخدام تلك الإيماءة تستدعي ذلك الإتفاق .

2- ميز سوسير بين اللغة language والكلام Parole حيث اللغة هي النظام النظري الذي يضم قواعد اللغة بينما الكلام هو بمثابة التحقق العيني لتلك القواعد، وقد كان لذلك التمييز اثر كبير في الأعمال البنيوية حيث نجد لديهم تلك التفرقة بين البنية والحدث أي بين الأحداث والقواعد التي تتحكم في هذه الأحداث وأيهما أسبق وجوداً البنية أم الحدث.

3- التمييز الأخير الذي قام به سوسير يعتبر تحولاً في دراسة اللغة وقد يعد قطيعة مع التقليد اللغوي الذي كان سائداً حيث ميز بين محورين لدراسة اللغة المحور التزامني Synchronic والتتابعي Diachronic اما عن المحور التزامني لدراسة اللغة فهو يدرس اللغة علي اعتبار انها نظام يؤدي وظيفته في لحظة ما دون وجود اعتبارات للزمن أما المحور التتابعي فهو يدرس اللغة بإعتبارها نظاماً يتطور عبر الزمن ويرصد التغيرات التي تطرأ علي اللغة تاريخياً ويرفض سوسير المنظور التتابعي قائلا إن معرفة تاريخ الكلمة لن يفيد في تحديد معناها الحالي ويشبه الأمر أن يشاهد الشخص مشهداً ثابت بينما هو يتحرك قائلاً بانه من الأفضل له أن يثبت في مكانه حتي يتمكن من مشاهدة المشهد بشكل واضح فحركته لن تفيد في فهم طبيعة المشهد نفسه.

أدخل سوسير أيضاً فكرة في غاية الأهمية الي مجال البحث اللغوي وهي إعتباطية الرمز علي مستويين ، الأول هو إعتباطية الرمز علي مستوي الدال حيث انه لا يوجد علاقة طبيعية بين الدال وليكن كلمة وردة مثلاً وبين الوردة الحقيقة جعلتنا نطلق الدال ( و – ر – د – ة) بذلك التسلسل الصوتي المعين وانما توجد علاقة عرفية يتفق عليها الناس، والرمز اعتباطي علي مستوي المدلول ايضاً حيث ان لكل لغة مفاهيمها الخاصة بها والتي تختلف من لغة لأخري والمثال النمطي الذي يعطيه علماء اللغة هنا هو الألوان فعلي الرغم من أن الألوان واحده في كل زمان ومكان الا ان اللون البرتقالي في العربية يطلق عليه في الانجليزية Orange.

ما نخلص اليه من اعتباطية اللغة ان اللغة ليست شيئاً جوهرياً ثابتا وانما هي نظام من العلاقات بين رموز اللغة ويتحدد معني كل رمز من تلك الرموز من خلال علاقته الرمز بالآخر علي المستوي الصوتي والدلالي أيضاً فكلمة سرير مثلا لا يتحدد صوتها الا من خلال الكلمات التي تحدها مثل صرير فالاختلاف بينهما صوتياً يعطي الفارق بينهما وعلي المستوي الدلالي ايضاً فيجب تحديد كلمة سرير والتفرقة بينها وبين المنضدة، وعليه فالاختلاف هو ما يصنع المعني.

لم نلق الضوء هنا علي سوسير الا لنعكسه علي البنيويين وتأثير أفكاره فيهم وهذه بعض النقاط الهامة :

- اعتباطية الرمز ادت الي دخول أفكار الإختلاف والتعدد من اوسع الابواب باب اللغة التي ازاحت الانسان من علي خشبة المسرح الفلسفي فلم يعد هو وحده من يستأثر بالانتباه، فلم تعد اللغة مجرد وسيط للفكر بل اصبحت هي نفسها مساويه للفكر.

- اللغة تحتل موقعاً مركزياً هاما في فكر البنيويين وذلك لأن كلا من ديريدا وشتراوس وفوكو يتعاملون مع التراث الفلسفي أو الانساني وهو في النهاية ليس الا نصوص مكتوبة أو اساطير محكية في حالة شتراوس، لقد حلل شتراوس الأساطير علي انها نظم من الرموز والعلاقات ويتحدد معني الرمز فيها من خلال الموقع الذي يحتله داخل الأسطورة وكان حذراً من الوقوع في الخلط بين ماهو طبيعي وماهو ثقافي فهذا معناه الفشل في ادراك ماهو انساني علي سبيل المثال فقاعدة زنا المحارم عند شتراوس اول قاعدة أخرجت البشرية كلها من حالة الطبيعة الي حالة الثقافة وبمعني ما لم يعد هناك ما هو طبيعي بشكل خالص، كما ان فوكو في تحليله لخطابات الجنس والجريمة والمرض قام بتحليل تلك الخطابات من خلال الوثائق والنصوص وهي خطابات تحدد ما هو مسموح به وماهو غير مسموح، ان المسموح/مايجب فعله يعتمد في سلطته علي انه يمثل ما هو طبيعي بالنسبة للإنسان ولكن فوكو يكسر كل هذه السلطات ويحطمها فلم يعد هناك ما هو طبيعي ويعطي للخطاب سلطته في ظل فقدان معني أصلي، وديريدا ( علي الرغم من صعوبة وصفه بالبنيوي ) حين يقوم بقراءة النصوص من داخلها رافضاً البحث عن معاني للنص خارجه "تلك القراءة الكامنة" تتعامل مع النص ايضاً علي انه نظام من العلاقات يتحدد معناه من داخله فنحن لا نفسر النص من الواقع وانما نبحث عن الواقع داخل النص.

وهكذا نجد ان اللغة أصبحت هي المسيطرة علي الأفق الفلسفي في القرن العشرين

محمد سعد
ملتقى دروب الفكرى
تم عرض المقال فى جلسة28/9/09