الجمعة، ٩ أكتوبر ٢٠٠٩

جاك ديريدا : الخوف من الكتابة

مقابلة مع ديريدا علي هامش الفيلم الوثائقي Derrida 2002
في كل مرة أكتب فيها شيئاً وأشعر بأنني اتقدم نحو منطقة جديدة، الي مكان جديد لم اذهب اليه من قبل، هذا النوع من التقدم يتطلب غالباً إيماءة معينة قد تؤخذ علي أنها عدائية فيما يتعلق بمفكرين آخرين او زملاء. انا لست شخصاً مجادلاً بالطبيعة ولكنه حقيقي ان الإيماءات التفكيكية تظهر لزعزعة الاستقرار أو إحداث توتر أو حتي تجريح آخرين(1).

لذا ففي كل مرة أقوم بمثل هذه الإيماءة توجد لحظات من الخوف، هذا لا يحدث وأنا أكتب ففي الحقيقة وأنا اكتب يكون لدي احساس بضرورة شئ هو أقوي من نفسي والذي يتطلب مني أن أكتب كما أكتب.

لم يحدث أن تخليت عن شيئاً كتبته لأني كنت خائفاً من عواقب معينة، لاشئ يخيفني وانا اكتب فأنا اقول ما أعتقد أنه يجب قوله.

هذا يعني انه عندما لا اكتب توجد لحظات غريبة عندما أذهب للنوم عندما آخذ قيلولة وأنام، في هذه اللحظة وانا بين النوم والصحيان فجاة اخاف مما افعله وافول لنفسي :
"أنت مجنون لتكتب هذا أنت مجنون لكي تهاجم شئ كهذا أنت مجنون كي تتحدي سلطة كهذه لتكن نصية او مؤسسية او شخصية”.

يوجد نوع من الذعر داخل لاوعيي وكأن... ماذا يمكنني أن أقارن هذه الحالة به ؟

تخيلي طفلاً يفعل شيئاً مريعاً، فرويد يتحدث عن أحلام الطفولة عندما يحلم الشخص بأنه عاري وخائف لأن الجميع يرونه عارياً. علي أية حال في تلك الحالة وانا شبه نائم يكون لدي الشعور بأني قد ارتكبت شيئاً إجرامياً، مخزيا ولا يمكن الاعتراف به وقد كان علي ألا أفعله.
شخص ما يقول لي "لكنك مجنون لتفعل شيئاً كهذا" وهذا شيئ أنا اصدقه حقاً وأنا شبه نائم والأمر المتضمن في هذا هو أن " أوقف كل شيئ، تراجع عن هذا، أحرق اوراقك ما تفعله هو غير مقبول "
ولكن بمجرد أن أستيقظ ينتهي هذا.

ما يعنيه هذا بالنسبة إلي أو كيف أفسره هو أنه عندما اكون مستيقظاً، واعياً، أعمل، بطريقة ما أكون لاواعياً بشكل أكبر منه وانا شبه نائم.
عندما أكون في حالة شبه النوم تلك يوجد نوع من اليقظة تقول لي الحقيقة أولاً وقبل كل شيئ أن ما أفعله هو جدي للغاية ولكن عندما أكون مستيقظاً وأعمل تلك اليقظة تكون في الواقع نائمة، إنها ليست الأقوي من الإثنين.
وهكذا أقوم بما يجب فعله .

ترجمة : محمد سعد

برجاء عدم استخدام الترجمة بأي شكل من الأشكال الا بعد استئذان المترجم
----------------------
(1) جدير بالذكر هنا أن ديريدا كان دائماً ما يقدم قراءات لأعمال فلاسفة سابقين عليه ولفلاسفة معاصرين مثل فوكو وشتراوس ولاكان وبارت وقد كانت تلك القراءات أحياناً سبباً في عداءات نظراً لهجومه الشديد الذي يعتمد استراتيجية تقوم علي الفضح والتعرية، وربما يمكن الاشارة هنا الي القطيعة التي دامت عشر سنوات بينه وبين فوكو والتي سببها نقده لكتاب الأخير "تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي"

جاك ديريدا : يوريكا

*يوريكا eureka كلمة يونانية تعني التعبير عن السعادة أو لحظة الانتصار أو اكتشاف شيئ ما، وهي مقابلة مع ديريدا علي هامش الفيلم الوثائقي Derrida 2002

عندما كتبت "في علم الكتابة" كان هناك شيئ آخر قد حدث، علي الرغم من أنه في نظري أن العديد من النصوص الأخري التي كتبتها بعد "في علم الكتابة" يمكن ان تعتبر [أفضل] أو يمكن ان تري علي أنها أثري أو من المحتمل أنها أكثر إثارة، بكلمات اخري كانت لها مميزات اخري، فعلي الرغم من كل هذا فالإحساس الذي كان لدي عندما كتبت "في علم الكتابة" ليس الكتاب ولكن فقط المقالتين الأولي والثانية في صيف 1965، في الواقع كان لدي إحساساً بأن شيئاً مميزاً للغاية قد حدث لي.

كان لدي احساس بأن جرأة تفسيرية Interpretative Edge، رافعة(1) A lever قد ظهرت لي، ليس الأمر أنني كتبته بنفسي، فلم يحدث لي هذا الأحساس مرة أخري حتي عندما اكون سعيداً بنص اكتبه، لم يكن لدي أبداً الشعور بأنه أنا، لذلك فلدي الشعور المزدوج بالمسئولية وعدم المسئولية عندما أكتب نصاً، عندما اكتب أشعر بغرابة بأني مسئول وغير مسئول كما لو أني دونت/سجلت شيئاً قد فرض نفسه علي، في "في علم الكتابة" كان لدي هذا الإحساس حتي بشكل أقوي، أحسست كأن شيئاً ما قد حدث لي.

لا أريد أن أعطي لهذا حساسية دينية فهو لم يكن تجلياً أو نشوة ecstasy ولكن هذا الشيئ تملكني وحدث، ليس بواسطتي وإنما حدث لي، شيئ سمح لي بأن أضع تحت تصرفي جرأة تفسيرية، رافعة كانت في غاية القوة كانت هي آلية/جهاز التفسير لقراءة "التراث" عندما أقول "تراث" فهذا هو التراث الفلسفي الغربي.

لدي الانطباع بأني أستخدم الكلمة "رافعة lever" ولكن أيضاً يمكنني أن أسميها نوع من الماكينة Machine أو جهاز apparatus للتفكير وتكنيك يمكنني من الصياغة وإقتصادياً لفك شفرات... ليس كل نص وإنما المهيمن منها في ثقافتنا.

ولكي أضع هذا بشكل أكثر وضوحاً، أتذكر جيداً ذلك الصيف حينما كتبت هاتين المقالتين وأرسلتهم للنقد، أعني المقالات الطويلة 60 صفحة وذهبنا كعائلة الي فينيسيا، انا اتذكر جيداً أني قلت لمارجريت(2) حينما كنا في البافوريتو "أتعلمين يا مارجريت... أنا أعتقد بأن شيئاً ما قد حدث للتو" وأنا اتذكر جيداً ذلك الإحساس الغريب بالجلاء/الوضوح الذي كان لدي والذي لم أشعر به من قبل، وبمعني ما لن يحدث لي مجدداً حتي بعد ذلك عندما حدث لي مثل هذه التجارب القوية مع أشياء كنت أريد أن أفعلها أو أكتبها بشكل ما كانت حتي أقوي مع نصوص مثل أجراس Glas وبطاقات معايدةPostcards والإعترافات Circumfessions فقد كانوا نوع من الإنقلابات/ الإضطرابات بالنسبة لي، زلازل صغيرة عندما كتبتهم ولكن علي الرغم من ذلك لم يحدث أبداً مجدداً أني أحسست نفس الإحساس الذي كان لدي عندما كتبت "في علم الكتابة" أن يكون شيئ ما وضع تحت تصرفي للكتابة والقراءة والتفسير...إلخ

مجدداً سوف يكون من الخطاً أن ننسب وصفاً دينياً لهذا فهذا لم يكن أبداً تجربة دينية او تحول أو حتي نشوة لم يكن هذا علي الإطلاق ولكني أحسست بلحظة إستثنائية حقيقة في عملي كما لو ان كل شيئ سوف يأتي بعدها أتي ببساطة بعدها بغض النظر عن أي شيئ آخر كان يمكن أن يحدث.

ترجمة : محمد سعد

برجاء عدم استخدام الترجمة بأي شكل من الأشكال الا بعد استئذان المترجم
---------------
(1) Interpretative edge لست متأكداً تماما من صحة الترجمة ولكن بحسب تعريف الانكارتا قد تعني edge سلوكاً أو صفة تنطوي علي مخاطرة او استفزاز ، lever قد تعني جهاز أو آله تعمل بإستخدام حركة ميكانيكية وهذا يتماشي مع وصف ديريدا لها .
(2) مارجريت ديريدا زوجته ومحلله نفسية فرنسية، والبافوريتو هو الأتوبيس النهري بإيطاليا.

الجمعة، ٢ أكتوبر ٢٠٠٩

دى سوسير .. تحديدات أولية


بقلم : محمد سعد


فرديناند دي سوسير [ 1857 – 1913 ] عالم لغويات سويسري تعد أعماله من أهم الأعمال في مجال اللسانيات ومؤسس علم السيميولوجيا ( علم العلامات ) وهو اول من حدد موضوع علم اللغة وهو يعتبر أبو البنيوية رغم أنه لم يستخدم كلمة بنية وإنما استخدم كلمة نسق أو نظام ويعتمد البنيويون عامة وشتراوس وفوكو وبارت ولاكان وديريدا خاصة علي أفكار سوسير حول الرمز في أعمالهم فهم وإن كانوا يفتقرون لبرنامج عمل موحد فهم لا يفتقرون الأصل المشترك وأهم اعمال سوسير هو كتاب "محاضرات في علم اللغة العام" وقد نشر بعد وفاته سنة 1916 بواسطة تلاميذه.

أهم ما أدخله سوسير من إضافات في علم اللغة يتحدد في ثلاثة تمييزات كما حددها جون ستروك:
اعتبر سوسير اللغة نظام من الرموز تحدد مدلولات الرموز فيه من خلال العلاقات والإختلافات بين الرموز .

1- حلل سوسير الرمز الي مكونيه الدال Signifier والمدلول Signified والدال هو الجانب الصوتي من المادي من الرمز حيث يمثل الصوت في حالة اللغة المحكية أو الحرف المكتوب في حالة اللغة المكتوبة أما المدلول فهو الجانب الذهني فهو لا يشير إلي الشيئ بل يشير الي الصورة الذهنية أو الفكرة عن الشيئ، ويؤكد سوسير علي الوحدة بين مكوني الرمز حيث يشبههما بالورقة ذات الوجهين لا يمكنك تمزيق أحدهما بدون ان تمزق الوجه الآخر.

و يمكن تطبيق التمييز بين الدال والمدلول علي رموز خارج اللغة فأي شيئ يمكن أن يكون رمزاً مثل الصور والحركات البدنية ولكن بشرط أن يحمل الرمز رسالة ما تحددها طبيعة الثقافة التي نشأ بداخلها هذا الرمز فإيماءة الوجه مثلا يعتمد معناها علي اتفاق داخل ثقافة ما علي معانها بين المرسل والملتلقي عند استخدام تلك الإيماءة تستدعي ذلك الإتفاق .

2- ميز سوسير بين اللغة language والكلام Parole حيث اللغة هي النظام النظري الذي يضم قواعد اللغة بينما الكلام هو بمثابة التحقق العيني لتلك القواعد، وقد كان لذلك التمييز اثر كبير في الأعمال البنيوية حيث نجد لديهم تلك التفرقة بين البنية والحدث أي بين الأحداث والقواعد التي تتحكم في هذه الأحداث وأيهما أسبق وجوداً البنية أم الحدث.

3- التمييز الأخير الذي قام به سوسير يعتبر تحولاً في دراسة اللغة وقد يعد قطيعة مع التقليد اللغوي الذي كان سائداً حيث ميز بين محورين لدراسة اللغة المحور التزامني Synchronic والتتابعي Diachronic اما عن المحور التزامني لدراسة اللغة فهو يدرس اللغة علي اعتبار انها نظام يؤدي وظيفته في لحظة ما دون وجود اعتبارات للزمن أما المحور التتابعي فهو يدرس اللغة بإعتبارها نظاماً يتطور عبر الزمن ويرصد التغيرات التي تطرأ علي اللغة تاريخياً ويرفض سوسير المنظور التتابعي قائلا إن معرفة تاريخ الكلمة لن يفيد في تحديد معناها الحالي ويشبه الأمر أن يشاهد الشخص مشهداً ثابت بينما هو يتحرك قائلاً بانه من الأفضل له أن يثبت في مكانه حتي يتمكن من مشاهدة المشهد بشكل واضح فحركته لن تفيد في فهم طبيعة المشهد نفسه.

أدخل سوسير أيضاً فكرة في غاية الأهمية الي مجال البحث اللغوي وهي إعتباطية الرمز علي مستويين ، الأول هو إعتباطية الرمز علي مستوي الدال حيث انه لا يوجد علاقة طبيعية بين الدال وليكن كلمة وردة مثلاً وبين الوردة الحقيقة جعلتنا نطلق الدال ( و – ر – د – ة) بذلك التسلسل الصوتي المعين وانما توجد علاقة عرفية يتفق عليها الناس، والرمز اعتباطي علي مستوي المدلول ايضاً حيث ان لكل لغة مفاهيمها الخاصة بها والتي تختلف من لغة لأخري والمثال النمطي الذي يعطيه علماء اللغة هنا هو الألوان فعلي الرغم من أن الألوان واحده في كل زمان ومكان الا ان اللون البرتقالي في العربية يطلق عليه في الانجليزية Orange.

ما نخلص اليه من اعتباطية اللغة ان اللغة ليست شيئاً جوهرياً ثابتا وانما هي نظام من العلاقات بين رموز اللغة ويتحدد معني كل رمز من تلك الرموز من خلال علاقته الرمز بالآخر علي المستوي الصوتي والدلالي أيضاً فكلمة سرير مثلا لا يتحدد صوتها الا من خلال الكلمات التي تحدها مثل صرير فالاختلاف بينهما صوتياً يعطي الفارق بينهما وعلي المستوي الدلالي ايضاً فيجب تحديد كلمة سرير والتفرقة بينها وبين المنضدة، وعليه فالاختلاف هو ما يصنع المعني.

لم نلق الضوء هنا علي سوسير الا لنعكسه علي البنيويين وتأثير أفكاره فيهم وهذه بعض النقاط الهامة :

- اعتباطية الرمز ادت الي دخول أفكار الإختلاف والتعدد من اوسع الابواب باب اللغة التي ازاحت الانسان من علي خشبة المسرح الفلسفي فلم يعد هو وحده من يستأثر بالانتباه، فلم تعد اللغة مجرد وسيط للفكر بل اصبحت هي نفسها مساويه للفكر.

- اللغة تحتل موقعاً مركزياً هاما في فكر البنيويين وذلك لأن كلا من ديريدا وشتراوس وفوكو يتعاملون مع التراث الفلسفي أو الانساني وهو في النهاية ليس الا نصوص مكتوبة أو اساطير محكية في حالة شتراوس، لقد حلل شتراوس الأساطير علي انها نظم من الرموز والعلاقات ويتحدد معني الرمز فيها من خلال الموقع الذي يحتله داخل الأسطورة وكان حذراً من الوقوع في الخلط بين ماهو طبيعي وماهو ثقافي فهذا معناه الفشل في ادراك ماهو انساني علي سبيل المثال فقاعدة زنا المحارم عند شتراوس اول قاعدة أخرجت البشرية كلها من حالة الطبيعة الي حالة الثقافة وبمعني ما لم يعد هناك ما هو طبيعي بشكل خالص، كما ان فوكو في تحليله لخطابات الجنس والجريمة والمرض قام بتحليل تلك الخطابات من خلال الوثائق والنصوص وهي خطابات تحدد ما هو مسموح به وماهو غير مسموح، ان المسموح/مايجب فعله يعتمد في سلطته علي انه يمثل ما هو طبيعي بالنسبة للإنسان ولكن فوكو يكسر كل هذه السلطات ويحطمها فلم يعد هناك ما هو طبيعي ويعطي للخطاب سلطته في ظل فقدان معني أصلي، وديريدا ( علي الرغم من صعوبة وصفه بالبنيوي ) حين يقوم بقراءة النصوص من داخلها رافضاً البحث عن معاني للنص خارجه "تلك القراءة الكامنة" تتعامل مع النص ايضاً علي انه نظام من العلاقات يتحدد معناه من داخله فنحن لا نفسر النص من الواقع وانما نبحث عن الواقع داخل النص.

وهكذا نجد ان اللغة أصبحت هي المسيطرة علي الأفق الفلسفي في القرن العشرين

محمد سعد
ملتقى دروب الفكرى
تم عرض المقال فى جلسة28/9/09

الجمعة، ١٨ سبتمبر ٢٠٠٩

ما فوق مبدأ اللذة


بقلم : أمير زكى


كتاب (ما فوق مبدأ اللذة) هو أحد أهم كتب رائد التحليل النفسى الشهير سيجموند فرويد ، ويناقش فيه مفاهيم مثل (مبدأ اللذة ، إجبار التكرار ، وغريزتى الحب والموت) ، السطور التالية تعرض الكتاب الذى صدر عام 1914 وترجم إلى العربية بواسطة اسحق رمزى .

* مبدأ اللذة

يبدأ فرويد الكتاب بالتأكيد على محورية مبدأ اللذة (السعى نحو اللذة) بالنسبة للحياة النفسية للفرد ، فالعملية النفسية تبدأ بنوع من التوتر المؤلم الذى يسعى المرء للتخفف منه ليحظى باللذة .

مبدأ اللذة إذن – من هذا المنطلق – يحاول الحفاظ على نمط ثابت من الاستثارة .

ولكن مبدأ اللذة يعارضه ويمنعه من العمل بشكل مطلق مبدأ آخر هو مبدأ الواقع ، فالأنا ( الأنا – وفقا للتحليل النفسى - هو مجموع العمليات النفسية الذاتية للإنسان ، وهو يكون فى موقف وسط بين الهو : مجموع الغرائز الإنسانية ، والأنا الأعلى : الضمير ونظرة الواقع والآخرين ، والأنا يكون واعيا بالمفهومين الأخيرين ويسعى للتوفيق بينهما) يعرف أن السير فى طريق اللذة إلى النهاية قد يسبب خطورة من قبل الواقع ، فيلتزم بالواقع بأن يؤجل لذته بغية الحصول عليها فى وقت لاحق ، وهذا هو الكبت .

والمكبوتات تحاول الظهور بأشكال مختلفة فى نطاق الوعى أو الشعور . ولكن فرويد يرى أن عمليات كبت اللذة (بالتالى التألم الذاتى الاختيارى) لا تفسر فقط بمبدأ الواقع ، فهل هناك مفهوم أو مبدأ آخر يفسر لجوء الإنسان للألم ، أو فلنسأل سؤالا آخر ، هل الإنسان حقا يرغب فى أن يتألم ؟

***

الشائع فى التحليل النفسى أن الأحلام تتم صياغتها من قبل العقل لتحقيق رغبة مكبوتة ، أو للحفاظ على حالة النوم عند الإنسان بأن تهون من شأن المثيرات الخارجية ، ولكن فرويد فى دراسته للمرضى المصابين بعصاب الصدمة (وهو مرض نفسى يظهر لدى من تعرضوا لحوادث مؤلمة كصدمة سيارة أو قطار ، وأيضا لمصابى الحروب ، والكتاب صدر بعد الحرب العالمية الأولى) وجد أن المرضى يحلمون بما يذكرهم بهذه الصدمات ، فرويد أراد أن يناقش ذلك بشكل أوسع من كونه مجرد مازوخية (التلذذ بالتعذيب الجنسى للنفس ، وامتد المفهوم مع التحليل النفسى ليكون التلذذ بتعذيب النفس بشكل عام) .

يناقش فرويد أيضا حالة طفل ، كانت أمه تتغيب عنه بشكل دائم ، وكان يبدو على الطفل أنه يتقبل ذلك ، ولم يكن الطفل مزعجا ، بل كان هادئا جدا ، وكانت لعبته الأساسية هى أن يلقى بالأشياء التى ينالها بعيدا ، حتى يعيدها له الآخرون ، فرويد قال إن هذه اللعبة كانت تمثيلا لغياب الأم ، هذا الأمر الذى كان يؤلمه – على غير ما يبدى - ، فكأنه بإلقاءه الأشياء بعيدا كان ينتقم لغياب أمه ، وكأنه يقول لها : إذهبى ، فإن غيابك لا يهمنى ، أنا لا أريدك . وكان يكرر الالقاء والاستعادة بتلذذ ، كما كان يتكرر غياب الأم وعودتها .

والطفل الذى يتعرض لعملية جراحية (أو حتى الذى ينال حقنة) ، وهى خبرات مؤلمة بالنسبة له ، يعود ويمارس هذه الخبرات كألعاب على الأطفال الآخرين .

ثم يتحدث فرويد عن الكبار ، وكيف أن معظمنا يتلذذ بمشاهدة الدراما المؤلمة والحزينة (النكد بكل أنواعه ، وأضيف من عندى أفلام الرعب التى تنقل لنا خبرات مخيفة ومؤلمة ومع ذلك يتلذذ كثير منا بها) ، كل هذه الأمثلة دلت فرويد على أن الإنسان يقصد الألم مثلما يقصد اللذة ، ولا يقصد الألم لأن الواقع يجبره على ذلك ، بل لأنه بالفعل يرغب فى ذلك حتى لو لم يكن هناك أى ضغط خارجى ، فما سبب ذلك .

* مفهوم إجبار التكرار

يرى فرويد أن الإنسان يكرر العقد والعمليات النفسية والمواقف التى حدثت له فى طفولته .

فالإنسان الذى لم يعش كطفل علاقة تشبع ناجحة مع أمه يظل طوال حياته يعتقد أنه (لا يصلح لشيء) وحتى فى تعامله مع الناس لا يشعر بأنه يتلقى منهم احتراما ، وعندما ينجب أطفالا لا يرى أنه يتلقى منهم الحب الكافى . وأثناء علاج هؤلاء الأشخاص يلاحظ فرويد أنهم يميلون لأن يشعروا أنفسهم بالضعة والمذلة ، ويثيرون الطبيب لكى يقسو عليهم ، وتكون آمالهم فى الحياة فى أن يهبهم أحد الناس هدية ثمينة كما كانوا يتوقعون فى صغرهم .

يرى فرويد أننا نقابل هؤلاء الناس فى حياتنا مثلما نقابل شخص كريم يعتقد أن كل من أحسن إليهم جحدوه ، وصديق مخلص يعتقد أن كل أصدقاءه يخونوه ، وكذلك شخص عاشق يعتقد أن كل الفتيات تكرهه . هؤلاء الأشخاص يتصورون هذه الأحداث على أنها قدر ، أو أن حظهم ونصيبهم من الحياة هكذا ، فى حين أن الحقيقة أن سبب هذا هو رغبتهم فى تكرار تجربتهم الطفلية الأليمة طوال حياتهم .

إذن فمبدأ إجبار التكرار أساسى وإن كان ليس من السهل أن نستخلصه من حياة المريض بصورة نقية فهو غالبا ما يختلط بعمليات نفسية أخرى .

تحدثنا عن مبدأ اللذة وعن محوريته ، ولكننا وجدنا أن هناك من يتلذذ بنقيض اللذة ، أى باستعادة الألم ، أى أن هناك عملية لا شعورية أخرى تتحكم فى الأمر ، يسميها فرويد بمبدأ (إجبار التكرار) وهذا المفهوم يفسر عنوان الكتاب فإجبار التكرار هو (ما فوق مبدأ اللذة) .

من خلال مفهوم إجبار التكرار يؤكد فرويد أن الغريزة تجبر الحياة دوما على العودة لحياة سابقة. وهذا كلام غريب على مفهوم الغريزة ، فقد اعتدنا على أن الغرائز أشياء تسعى للتغير والنمو لا العودة والكمون (بمصطلحات سياسية هى ترغب فى أن تنضم للحزب الثورى لا المحافظ) .

يحاول فرويد أن يقدم أمثلة من الطبيعة لمفهوم التكرار ، فهو لا يكتفى بعالم الإنسان ، فيقول إن الأسماك والطيور تهاجر لمسافات طويلة لتضع بيضها ، وفى رأيه أنه لا يوجد مبرر لذلك سوى أنه تحذو حذو أسلافها . (نعرف أن الطيور تهاجر فى الشتاء لأماكن أكثر دفئا ، والأسماك تهاجر لتضع بيضها فى مياه مناسبة) .

وفرويد كعالم مادى من جهة ، وكفيلسوف من جهة أخرى ، وقد نحسبه على تيار الفلسفة الألمانية الساعية لتفسير العالم بطرائقها الجذابة غير المحققة ، يبدأ بتفسير تاريخ العالم كله وفقا لمبدأ إجبار التكرار ، فهو يرى أنه عندما ظهرت الحياة فى المادة الجامدة لأول مرة بطريقة لا نستطيع الجزم بها بإمكانياتنا الحالية ، ظهرت بالتالى وبشكل مواز أول غريزة ، وهى غريزة ترغب فى العودة مرة أخرى من الحياة للمادة الجامدة ، ولا شك فإن الحيوات الأولى كانت قصيرة ، فسرعان ما كانت ترتد الأشياء إلى المادة الجامدة .

وبالتدريج تعقدت الحياة ، وأصبح هناك أمد طويل بين الحياة والموت ، وطوال هذه الفترة تسعى الغريزة لتكرار النمط القديم ، وهدفها الأساسى من ذلك هو العودة للمادة الجامدة ، أى السعى للموت .

* ثنائية الحياة والموت

رغم أننا وصلنا مع فرويد أن فى الإنسان غريزة أساسية تسعى للموت ، إلا أننا لا نستطيع ان نؤكد ذلك من مشاهداتنا الحياتية ، فنحن نرى الإنسان يتمسك بالحياة ويعتز بذاته . والغريزة الجنسية – الغريزة الأهم وفقا للتصور الفرويدى – هى غريزة بناء وخلق .

يتوصل فرويد إلى أن هناك غريزيتين أساسيتين : غريزة الجنس / الحب / النماء / الخلق ، فى مقابل غريزة الموت / الهدم / العودة / التكرار .

وهذه الثنائية نلاحظها حين نتجه لأى موضوع بعلاقة مزدوجة فحبنا لشيء يتضمن داخله الكراهية ، والحنان يتضمن القسوة ، والعلاقة الجنسية نفسها تتضمن السادية (التلذذ بتعذيب الآخر) ، والعملية الجنسية مع وفرة نشاطها تتبع فورا بانطفاء لأجهزة الجسم وكأنها حياة يعقبها موت .

ومبدأ اللذة نفسه يخدم غريزة الموت بأن يسعى للحفاظ على ثبات الاستثارة بتجنب الألم ، والهدف الأصيل لذلك هو العودة إلى عالم الجماد .

وتضمن الموت داخل مبدأ اللذة استعان فيه فرويد بأفكار شوبنهاور (الفيلسوف الألمانى الذى اخترع فلسفة تتجه للسكون وتزدرى الحياة) والديانة البوذية وسعيها نحو النيرفانا (أيضا السعى نحو السكون والانسحاب من الحياة) .

فرويد فى النهاية ، وكما فعل فى عدة كتب أخرى ، يشكك فى فروضه ، ويقول إنه لا يثق فى النتائج التى توصل إليها ، كعادته يثير إعجابنا بطرائقه الفريدة الجذابة ثم يتركنا ولا يطلب منا الإيمان بأفكاره ، قد تكون هذه حيلة دفاعية منه ( اذا استخدمنا مصطلحات نفسية ) لاستباق النقد المتوقع على أفكاره ، ولكن هذا التشكك لن يدفعنا أبدا لتجاهل المفاهيم المهمة التى ناقشها فى هذا الكتاب .

أمير زكى
ملتقى دروب الفكرى
تم عرض الكتاب فى جلسة الإثنين 14/9/2009


الاثنين، ١٥ يونيو ٢٠٠٩

جماليات التلقي

ندوة للدكتور سعيد توفيق ، ألقاها يوم 28 أبريل 2009 بالمجلس الأعلى للثقافة
تابعها وأعدها للنشر محمد سعد
***

التلقي الجمالي بدلاً من التذوق الجمالي

"ناقشت الندوة نظريات علم الجمال الحديث متمثلة في التيار الفينومينولوجي في تحليل خبرة المتلقي للموضوع الجمالي"

آليات التلقي هي العمليات المعرفية والشعورية لإدراك العمل الفني، وذلك الطرح الجديد المتعلق بالتلقي الجمالي يضفي فاعلية علي خبرة المتلقي للعمل الفني بعكس الفلسفات السابقة التي كانت تجعل من دور المتلقي دوراً سلبياً في عملية الإبداع .

يطرح علم الجمال الحديث شروطاً لتلقي العمل الفني ، شروطا معرفية وشعورية وتلك الشروط تنفي مقولة " لا مناقشة في الذوق " والتي تعتمد في ذلك علي أن الذوق هو مسألة ذاتية نسبية.

وقد نشأ علم الجمال الحديث الذي بدأ مع كانط لدحض مسألة أن الذوق هو مسألة نسبية فمشروع كانط في علم الجمال كان مدفوعاً بمنطق لحكم الذوق وتجلي ذلك في آخر حلقة من حلقات مشروعه النقدي في كتاب "نقد ملكة الحكم" والذي وصف فيه الموضع الجمالي علي أنه غائية بدون غاية فغاية الموضوع الجمالي تكمن في باطنه فالموضوع الجمالي ليس موضوعاً لمنفعة ولا يمكن النظر إليه كأداة أو وسيلة لشئ فهو بدون غاية فجمال الوردة مثلاً لا يجعلنا نرغب في قطفها والإحتفاظ بها .

حكم الذوق مرهون بالتربية والثقافة الفنية فالإستمتاع بسيمفونية موسيقية يتطلب معرفة بتكوين السيمفونية الفني كمثال وتلك هي الآليه المعرفية.

في بحثنا عن منطق لحكم الذوق نواجه حججاً قوية ومنها :
إن للأعمال الفنية نسبية ثقافية تاريخية فالأعمال الفنية تنشأ وتذوي في التاريخ وذلك لارتهانها بسياق حضاري ما حيث قيمة العمل تختلف من زمان لزمان آخر .

لكن نحن نرد ونقول بأن النسبية التاريخية لا تطعن في القيمة الفنية للعمل فهي لا تطعن في الأساس الموضوعي للعمل الفني وإنما تعني نسبية إدراك القيمة، قيمة العمل الفني ومثال علي ذلك نأخذه من مجال الأخلاق .

الكرم هو مبدأ أخلاقي ولا شك ولكنه يتجلي بأشكال نسبية، ففي أفريقيا قد يقوم شيخ قبيلة ما بتقديم زوجته لضيفه علي سبيل الكرم، إلا أن هذا لا يعني نسبية المبدأ الأخلاقي بل نسبية تمثل المبدأ الأخلاقي، فما قام به شيخ القبيلة هو عمل خلقي وليس إنعدام لمبدأ الكرم فهو ها هنا يجور علي مبدأ أخلاقي أعم وهو قيمة الإنسان نفسه فهو يستخدم زوجته هنا كأداة للضيافة مثلها كمثل طبق للفاكهة أو كهدية.

إذن من لوازم عملية الإدراك الجمالي وجود ثقافة فنية تتيح للمدرك تلقي العمل الفني بشكل صحيح.

وهذا كان تبريرنا لإمكانية الحديث عن شروط التلقي الجمالي.
وأهم تلك الشروط الأولية :
1- المسافة النفسية بين المتلقي والعمل الفني "وهو مرتبط بالآلية الشعورية للمتلقي"
وهي تعني أن المتلقي لا ينبغي عليه أن يقوم بالخلط بين إنفعالاته الذاتية وبين الإنفعالات التي تصدر عن العمل الفني نفسه.
قد يكون من الصعب تحقيق هذا حيث أن العمل يثير فينا الكثير من الإنفعالات ولكن هنا ينبغي أن يتفهم المتلقي الشعور الذي ينتمه إليه وتلك المشاعر والإنفعالات التي يثيرها فيه العمل الفني.

مثال من مجال الموسيقي :
أحياناً في سيمفونية ما قد تكون تلك السيمفونية معبرة عن حالة من الشجن والحزن، إذا كان العازف في حالة حزن خاصة به وبعيدة عن العمل الفني قد يتصور البعض أن ذلك قد يؤدي لنجاح العمل الفني ولكن علي العكس من ذلك سيؤدي حزنه الذي لم يرد إليه من عزف السيمفونية إليه فشل العمل الفني فالعازف قد يشعر بالفرح نتيجة لأن السيمفونية تعبر عما يحياه العازف من حزن وشجن .

إن ما يحدث هنا هو أن العازف هو الذي اضفي مشاعره علي العمل الفني ولا العكس فالمفترض من العازف أن يتمثل حالة العمل الشعورية.
2- فهم السياق التاريخي للعمل.
للأعمال الفنية تاريخية خاصة بها فهي ترتبط بالعصر الذي أبدعت فيه فالعمل الفني هو إبداع في عصر ما لقول شئ ما ولكن هذا لا يعني أن الأعمال الفنية هي كالأمواج تروح وتجئ دون تاريخية فحتي الصخور التي ترتطم بها الأمواج لها تاريخ جيولوجي فلكل عمل تاريخيته.

قد ينتمي المتلقي لسياق تاريخي مختلف فتحدث مشكلة وهي موائمة المتلقي للعصر الذي يعيش فيه والعصر الذي ينتمي إليه العمل وما يجب أن يقوم به المفسر/المتلقي هنا هو عصرنة العمل الفني أي أن يجد تلك الأشياء التي تتجاوز عصرها داخل العمل الفني وبذلك فهو يقوم بعملية "جعل النص قابلاً للتطبيق في عصر المفسر" .

لذلك يجب أن يكون المفسر واعياً بالشرط التاريخي .
نجد من كل ذلك أن دور المتلقي هو دور إيجابي بلاشك في العملية الإبداعية فهو كما يسميه الألمان mitspieler أي المشارك أو لاعب لدور في العمل الفني.

فالعمل الفني لا يتأسس كموضوع جمالي إلا من خلال الجهد الفعال للمشاهد.

ويجب أن نشير هنا إلي تفرقة هامة وهي أن العمل الفني يختلف عن العمل الجمالي، صحيح أنهما وجهان لعملة واحدة ولكن الشئ قد يتجلي كموضوع فني ولكنه لا يملك أن يتأسس كموضوع جمالي إلا من خلال الشخص المتلقي للعمل الفني فهو القادر علي تحويل الفني إلي جمالي بتحقيقه لشروط التلقي.

إن وجود لوحة ما هي عمل فني بلا شك ويمكننا أن نتخذ منها موقفاً جمالياً ولكن قد نتخذ منها موقفاً علميا إذا ما أردنا تحديد عمر اللوحة من خلال تحليل ألوان اللوحة أو إذا ما أردنا أن ننسب لوحة ما لفنان بعينه كرامبرانت مثلاً فنجلب خبراء في أسلوب رامبرانت لتحديد طريقة ضربات الفرشاة .

في تلك الحالات يظل العمل الفني عملاً فنيا ولكن لا يتأسس ذلك العمل الفني كموضوع جمالي لإنتفاء وجود متلقي فتلك المواقف لا تتأمل ولا تتمثل ذلك العالم المثار في اللوحة .

يمكن إختصار تلك النقطة في عبارة قالها ميكيل دوفرين وهي " إن الموضوع الجمالي هو مستقبل العمل الفني" حيث يقوم هنا المتلقي بإستحضار الموضوع الجمالي لينبثق من بين ثنايا العمل الفني.

في المسافة بين العمل الفني وبين الموضوع الجمالي يقع الجهد الفعال للمتلقي أو كما يقول إنجاردن تعيين العمل الفني
.
كل عمل فني ينطوي بداخله علي مواضع لا تحدد فهو يعبر بشكل غير مباشر وإيحائي كما يقول ميرلوبونتي ، فهناك شئ ما متخفي يجب أن يبدع المتلقي ليظهره فطبيعة العمل الفني أنه لا يعطي موضوعه ولا يعبر بشكل صريح عن موضوعه وإلا فقد جزءاً كبيراً من قيمته.

ففعل الإبتسام مثلاً موضوعه فيه لا خارجه ومهمة المتلقي إكتشاف الإيماءة Gesture التي تتخفي وراء فعل الإبتسام.
ودور القارئ/المتلقي هو ملء الفجوات داخل العمل الفني، إن ملء تلك الفجوات يؤدي لإنبثاق العمل الجمالي ، فالأديب لا يذكر لنا كل شئ في روايته فهو لا يقدم لنا تقريراً بل يذكر ما يمكن أن يخفي بداخله ما يريده ولا يريد أن يصرح به ليترك بذلك فجوات ويترك مواضع لا تحدد وتخفي علي المتلقي ملئها ليصل للعمل الجمالي، إذا إعترفنا بنسبية تاريخية للعمل الفني مادام العمل مرتبطاً بسياق ثقافي فهناك إمكانية لتعدد التفسيرات ولكن هذا التعدد لا يكون بدون نهاية ولا نعني بكلمة بدون نهاية أننا سنضع حداً تقف عنده التفسيرات فكل عمل فني أصيل يسمح بأكثر من قراءة والعمل الفني الضعيف هو ما لايحتمل أكثر من قراءة .

ولكن نعني أن التفسير ليس مفتوحا بدون شروط فهناك شروط تجعلنا أحياناً نفضل تفسير علي تفسير بناءأ علي ثقل الدليل النصي وهو يعني أن التفسير له أكثر من دليل داخل النص المراد تفسيره والثقل هو أن يكون التفسير مرتبطاً بالسمات العامة أو بسمه أساسيه في النص لا أن يكون التفسير كله مبني علي جزء قد ورد بشكل عرضي في النص فهذا التفسير متاح ولكنه تفسير غير قوي لأنه يعتمد علي أجزاء هامشية في النص الأصلي .

" تلك كانت أهم الشروط الأولية التي يجب أن يكون المتلقي علي معرفة ودراية بها حتي يحسن تلقي العمل الفني "
***
محمد سعد
ملتقى دروب الفكرى

الأربعاء، ١٠ يونيو ٢٠٠٩

ملتقى دروب الفكرى على صفحات جريدة الشروق اليومية

اقرأ تحقيق عبد الرحمن مصطفى فى جريدة (الشروق) اليوم ، الذى يتحدث فيه عن (ملتقى دروب الفكرى) إلى جانب مجموعات قراءة أخرى .
اضغط هنا للقراءة

السبت، ٢٥ أبريل ٢٠٠٩

دور الإلحاد فى وجودية سارتر

ورقة عن

دور الإلحاد فى وجودية سارتر

بقلم :احمد حمدى حسن حافظ

ملتقى دروب الفكرى

تصدير

ماذا أفعل ؟

سؤالك انت وحدك سيدى

وستجيب عليه وتتحمل النتائج وحدك

ولن ادع فرصة

توهمك بأنك سجين للحتميات

التى لا وجود لها

أغمضوا أعينكم

أغلقوا آذانكم

ترون العالم كله يتجول

بين قلوبكم وعقولكم

بأستطاعتكم التخيل

اعطاء قيمة للحياة

الإحساس بالحب

إيجاد المعرفة

كل شئ

ستجدونه بداخلكم بأعماقكم

حرروه..أطلقوه

تمهيد

" و لسوف يظل ديدن الفلسفة الوجودية منذ البداية وحتى النهاية رفض كل ما يمس فردانية الفرد." (1)

" يسير سارتر بمقولة الفردانية المحورية فى الفلسفة الوجودية إلى منتهاها..إلى الهجر والإلحاد ..الانسان وحيد تماما ومهجور فى هذا الكون ،لا اله يقيم معه شيئا من التواصل " (2)

عندما يلوح فى الأفق سؤال مثل أيهما أكثر وجودية : الوجودية الإلحادية أم الوجودية الإيمانية ؟ يكون من الافضل لنا ان نحدد المعيار الذى نقيس على اساسه نسبة الوجودية فى كلا من أنواعها ، علما أن هذا المعيار لابد أن يكون تعبيرا جوهريا عن صميم ماهية الفلسفة الوجودية ، وفى خضم التباس تعريفات الوجودية لا يكاد يكون هناك اختلافا على ان القضية الأساسية فى الفلسفة الوجودية هى تحرير الإنسان الفرد من كافة اشكال استلاب تلك الفردية ، أنها قضية الفردانية والحفاظ على الفرد من سطوة وسيطرة الحشد سواء كان ذلك الحشد هو المجتمع أو اعرافه أو كتلة الجماهير أو القيم الجاهزة أو سائر العموميات وكل ما من شأنه طمس الفرد و إفقاده حرية الاختيار ومسئولية هذا الاختيار

" ستظل الوجودية دائما حائز لنوط شرف فى صونها لفردانية الإنسان وحريته ضد أخطار قد تحيله الى مجرد راس فى القطيع بتعبير نيتشه أبرزها الآن نظام الدولة الشمولية ذات السلطة الجامعة ووسائل الإعلام الذائعة والضغوط التى يمارسها مجتمع الجماهير أو العقل الجمعى " (3)

أذن من الشرعى لنا أن نحول السؤال إلى أيهما اكثر فردانية :الوجودية الإلحادية أم الوجودية الإيمانية ؟

" وكما هو معلوم جيدا ، الوجودية السارترية بلغت ذروة الوجودية الملحدة ،تلك التى شق طريقها نيتشه ، وارسى أصولها النظرية الوطيدة مارتن هيدجر اعظم منظرى الوجود على الإطلاق " (4)

"يسير سارتر بمقولة الفردانية المحورية فى الفلسفة الوجودية إلى منتهاها ..إلى الهجر والإلحاد ..الإنسان وحيد تماما ومهجور فى هذا الكون ،لا اله يقيم معه شيئا من التواصل " (5) وهذا مبدأ فى الفلسفة الوجودية اسمه الاهمالية وهو نتيجة للإلحاد فى فلسفة سارتر وليس سببا كما سنوضح فى هذه الورقة ولكن هذا لا يعنى ان هذه النتيجة لا تتضمن الا بعدا فريدا للفردانية المطلقة كما تبدو فى الوجودية الإلحادية الذى لا تعترف إلا بالإنسان الفرد وهو سبب من ضمن الاسباب التى تجعلنا نقول أن الوجودية السارترية الإلحادية فردانية مطلقة ولكن هناك سببا آخر وأهم يجعلنا نقول ان الوجودية الإلحادية فردانية فعندما يأخذ الدين شكلا من أشكال القيم الجاهزة والعموميات السائدة ويتسرب فى العقل الجمعى ومجتمع الجماهير كتعليمات وأوامر مما يكون له دور فى سلب إرادة وحرية الفرد والقضاء على اختياره الحر ومسئوليته الحرة عن ذلك الاختيار وأحيانا كما نرى فى الدول الدينية يأخذ الدين شكلا من أشكال السلطة السياسية ذو التوجه الشمولى فعند حدوث ذلك تكون الوجودية الدينية نوعا من اللاوجودية على الاطلاق

أذن لنا أن نجيب على السؤال أيهما اكثر وجودية أو أيهما اكثر فردانية ؟ وبالبداهة الأولية أن الوجودية الإلحادية اكثر فردانية بل إنها فردانية مطلقة ومن ثم فهى الأكثر وجودية .

لكن يبقى فى داخلنا ولنكون صادقين مع انفسنا أمرا لابد أن يطرح يقول الله تعالى فى محكم آياته

" قالت الأعراب ءامنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان فى قلوبكم وإن تطيعو الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم " الحجرات 14

تطرح هذه الاية الكريمة إشكالية فلسفية كبرى مفادها أن هناك فرق بين الإيمان والدين ، وسأتقمص الآن دور الفيلسوف الذى يجيب ، وأقول أن الإيمان هو ما وقر فى القلب وصدقه العمل ،أى انه اختيار مبنى على أسس عاطفية ( والانسان مسئول عن عاطفته فى الفلسفة الوجودية عموما )، أذن الإيمان اختيار عاطفى قلبى أما الدين وهو فى اللغة من الحساب فهو تسليم وخضوع لتعليمات وأوامر تأخذ شكل الشرع أو الطريق فهى تحدد للإنسان أختياراته مسبقا .

وبهذا الفرق بين الإيمان والدين نستطيع أن نقول انه يستحيل وجود وجودية دينية لأنها ببساطة تسلب الفرد حريته فى الاختيار وتجعله منضوى تحت أوامر وتعليمات دينية وشرعية أما وجود وجودية إيمانية فهو الأمر الذى ربما يكون محل صدق لان الإيمان اختيار قلبى معتبر

و لما كان هناك فرق بين أن نقول وجودية دينية ووجودية إيمانية فإننا نستطيع أن نقول أن الوجودية الدينية أقل فردانية من الوجودية الملحدة وبالتالى فهى اقل وجودية أو مستحيلة الوجودية و لكن الوجودية الإيمانية تقف هنا موقفا حرجا فإذا كان الإيمان فرديا اختياريا ليس إيمانا ملزما باختيارات دينية محددة تأخذ شكل جمعى غير مدروس فهى تساوى الوجودية الملحدة من حيث فردانيتها

ببساطة من حق الإنسان الوجودى الإيمان بدين من الأديان ولك ليس من حقه التدين بدين من الأديان قد يبدو هذا كلاما غامضا ملتبسا ولكن إذا انتقلنا للواقع لوجدناه كلاما واضحا للغاية فكل الفلاسفة من أصحاب الوجودية المؤمنة كانوا يحملون ايمان داخلى عميق بأديانهم وكانوا يحملون رؤية فردية متميزة لهذه الديانات وهذا يجعلهم فردانيون أما من يحمل إيمانا سطحيا خارجيا بدين من الإديان ولا يحمل رؤية فردية متميزة لهذا الدين وينضوى تحت أوامر وتعليمات جمعية فهو ليس وجوديا على الإطلاق ربما يذكرنى هذا بتفرقه بعض المفكرين بين المسلم والمتأسلم حيث يكون الفرق بين الإيمان الداخلى القلبى والإيمان الخارجى المنضوى تحت سلطة المجموع ولهذا نقول أن الصوفية ولانهم كانوا يحملون إيمان فردى متميز بالدين وجوديون أما من انضوا تحت تأثير الدين دون ان يكون لهم هذه الرؤية والأيمان الفردين ليسوا بصوفية وليسوا بوجوديين

أذن نستطيع أن نسلك طريقا وسطا يقول بأنه لا فرق بين الوجودية المؤمنة والوجودية الملحدة ولكنه لا وجود لوجودية دينية إطلاقا بل أن هذه اقرب لخرافه أو لمزحة لانتفاء الفردية فيها مثلما كان لا فرق بين الصوفية والإلحاد عند أهل السنة والجماعة وآنا لنخشى أن نقول أن الوجودية المؤمنة هى الوجودية الحقة حتى لا يفتح ذلك الباب لوجود وجودية لا وجودية أصلا هى الوجودية الدينية

خلاصة ما نصبو إليه هنا ان الوجودية الإلحادية هى الوجودية بالألف واللام وان الوجودية المؤمنة لا تعدوا ان تكون موقفا داخليا فرديا فى هذا الإطار إطار الوجودية الملحدة .

مقدمة

ما هى العلاقة بين كون سارتر وجوديا وكونه ملحدا؟

وماذا كان يحدث من تغير جوهرى لو لم يكن سارتر ملحدا ؟

ألم تستقيم الوجودية وتصبح فعالة كتيار فكرى دون ان تكون ملحدة كما رأينا مع مؤسس الوجودية كيركجور وعند كل من يشكل تيار الوجودية المؤمنة ؟

أليس الإلحاد هذا زائد عن الحاجة فى الفلسفة الوجودية ولا يوجد فى الوجودية ما يبرر الالحاد ؟

كل هذه الصياغات المختلفة لسؤال هام وهو

هل لعب الإلحاد دورا جوهريا فى وجودية سارتر ؟

ام ان للإلحاد دورا ثانويا هامشيا فى تلك الفلسفة وانه زائد عن الحاجة ؟

هذا ما سنحاول الإجابة عليه فى تلك الورقة معتمدين على عرض سارتر ذاته لفلسفته الوجودية فى كتاب " الوجودية مذهب إنسانى "

وهذه هى حدود تلك الورقة البسيطة التى لا تطمح الى تقديم اى اضافة علمية ضخمة وانما تطمح فقط لمحاولة فض الالتباس بين كل من يفصل بين وجودية سارتر وبين إلحاده ويعتبر ان وجودية سارتر مطلوبة فى عالمنا العربى لتحرير الإنسان العربى ولكن بعيدا عن إلحاد سارتر الذى لا يمكن ان تتقبله الخصوصية الثقافية للثقافة العربية وهى مفارقة غريبة لأنها تفصل بين وجودية سارتر وإلحاده ولكننا كثيرا ما نجد مثل هذه المفارقة فى التقبل العربى لسارتر والذى لا يخلو من انحياز لسارتر ووجوديته نظرا لدوره فى بعض قضايا التحرر العربى – فى الجزائر مثلا – على حساب وجودية سارتر الإلحادية ذاتها وإننى اسعى اليوم لمحو ذلك الفصل بين وجودية سارتر وإلحادة وتقديم وجودية سارتر بالشكل الذى يلعب فيه الإلحاد دورا ودورا جوهريا كما سيتضح من هذه الورقة بحيث يصعب الفصل عند سارتر بين وجوديته وإلحاده .

الفصل الأول

مبدأ الوجود يسبق الماهية وعلاقته الحميمة بمقولة الإلحاد

يعتقد سارتر انه اذا كانت الوجودية تنطلق من مبدأ أن الوجود يسبق الماهية ، وهى كذلك بالفعل ، فانه من الأنسب منطقيا ان تكون الوجودية ملحدة لان هذه الفكرة ، فكرة ان الوجود يسبق الماهية تتطلب الإلحاد .

فيقول سارتر فى معرض كتابه الوجودية مذهب إنسانى

"أما الوجودية الملحدة التى أمثلها بنفسى ،فهى اكثر انسجاما واكثر منطقية فهى تعتقد انه اذ جاز أن نعتقد أن الله ليس موجودا فانه من المحتم أن نعتقد على الأقل بوجود كائن موجود قبل ان يعرف ضمن اية فكرة مجردة او فى وهم اى خالق وهذا الكائن هو الانسان " (6)

وهذا فى معرض حديثة عن تاريخ فكرة ان الوجود يسبق الماهية

فهو يعرض تصور القرن السابع عشر لوجود الله الذى كان تصورا ضروريا فى اعتبار ان ماهية الانسان تسبق وجوده لان ماهية الإنسان يحددها الله الخالق سابقا قبل ان يخلق الانسان فهو يقول " وعندما نتصور الها خلاقا ،فاننا لا نتصوره إلا على صورة فنان عظيم او صانع علوى .. وإننا نعتبر ان الارادة سابقة دوما للفعل او الفكر او انها على الاقل تلازم الفكر وان الله بالتالى لا يخلق الا عالما بما يخلق اذ لا يصح ان نعتبر ان الله يجهل ما يقوم به وهكذا تصبح "فكرة الرجل " المجردة والموجودة فى خيال الخلاق فكرة مطابقة تماما لفكرة (وجود ماهية تسبق الوجود ) والله يخلق الانسان تبعا لاصول وتبعا لشكل خاص كما يخرج الصانع قاطعة الاوراق تبعا لشكل معين وتعريف خاص وهكذا يحقق الانسان جزءا من فكرة يتخيلها الخلاق الذى هو الله " (7)

يرى سارتر إذن ان فكرة الله هى الفكرة التى تجعلنا نقول دائما باسبقية الماهية على الوجود وهذا طبقا لهذا التصور عن الإله الخالق

الا انه يفسر الانتقال تدريجيا الى كون الوجود يسبق الماهية عبر القرن الثامن عشر حيث أنكر الملاحدة وجود الله ولكنهم اعتقدوا ان للانسان طبيعة انسانية وان هذه الطبيعة الإنسانية موجودة عند جميع البشر مما يجعل من كل فرد مثلا خاصا لفكرة عامة وهكذا ظلت الماهية تسبق الوجود

" وهكذا يصح الاعتقاد بانه لا توجد طبيعة انسانية لانه لا يوجد اله خالق ليتصورها فى ذهنه ومن ثم يعمد الى خلق الانسان بناء على تصوره لتلك الطبيعة "(8)

ببساطة وجمال واقتصاد يسوق سارتر برهان الخلف فيصدق وجود فكرة الله ثم يجد ان من متطلبات هذه الفكرة ان الله يعلم ما يقوم بخلقه اى يعلم ماهية الشئ الذى يخلقه وبهذا تكون الماهية سابقة على الوجود وهو ما يتعارض على طول الخط مع الوجودية اما موقف الإلحاد فهو الاصح إذا أخذنا بمبدأ ان الوجود يسبق الماهية لانه لابد من وجود كائن يتحقق فيه وجودا سابقا للماهية وهو اما الله او الانسان فاذا كان الله غير موجود فهو الانسان وعلى ذلك فعندما نقول ان الانسان يسبق ماهيته وجوده فاننا اضفنا بعدا الهيا الى الانسان وجعلناه خالقا لنفسه

هذا إذا اردنا ان نجيب على السؤال لماذا الحد سارتر أما إذا اردنا ان نعرض لما ترتب على هذا الالحاد من نتائج فى فلسفة سارتر فيكون الاتى .

الفصل الثانى الاهمالية

واذا كانت الوجودية قد أنتهت بنا لفكرة الالحاد فيصح ان نقول ان الانسان فى الوجودية خالق لنفسه " والانسان هو خالق لنفسه لانه وحده متصور لها "(9) وكذلك "الانسان ليس قبل كل شئ الا مشروعا ... ولا يوجد شئ تستطيع السماء ان تتصوره او تتخيله فالانسان هو ما شرع فى ان يكون فاذا كان الوجود يسبق حقيقة الماهية فالانسان مسؤول عما هو كائن " (10) " وعندما نقول ان الانسان يختار نفسه بنفسه نعنى بالتالى ان الانسان الذى يختار نفسه انما يختار تبعا لذلك جميع البشر وهكذا تصبح مسئوليتنا اكبر بكثير مما نستطيع ان نفترضه لانها فى الواقع تجر الإنسان لان يتحمل الانسانية باجمعها " (11) ومن هنا تنبع الكأبة اذن " الكأبه نابعة من انه لا يختار نفسه فحسب بل هو يختار الانسانية جمعاء وهو يقع فريسه لشعور عميق بالمسئولية المترتبة عليه " (12)

اى ان المسئولية الهائلة للاختيار التى تقع على عاتق الفرد يتم تعميقها من قبل سارتر بما يسمى الاهمالية فى الوجود او الاهمال

"وعندما نتكلم عن الاهمال وهذا التعبير محبب الى هيدجر فاننا لا نعنى الا ان الله ليس موجودا " (13)

و الوجودية تناقض نوعا خاصا من الاخلاق العلمانية التى تنفى فكرة الله بسهولة زائدة

"ان فكرة الاله هى افتراض لا طائل تحته وهى الى ذلك يكلف غاليا ولكنه يجب عوضا عن ذلك التمسك ببعض القيم بغية المحافظة على الاخلاق والمجتمع والمدينة بمعنى اخر فان اى شئ لا يتغير رغم عدم وجود الاله ... اما الوجودية فانها تعتقد ان انكار وجود الاله عند هؤلاء من الصعوبة بمكان الا انهم بذلك انما ينكرون وجود الخير المحض وينكرون وجود عالم القيم فى السماء لانهم انكروا وجود الوعى اللامتناهى والكامل ليستطيع ان يتصور هذا العالم كتب دستوفسكى يقول "اذا لم يكن الله موجودا فان كل شئ يصبح مسموحا "من هنا تنطلق الوجودية فالانسان متروك لا يعتنى به احد لانه لا يجد لا فى نفسه ولا فى خارجها شيئا يتمسك به ويتعلق باهدابه فهو لا يجد قبل كل شئ اى مسامحة لاخطائه لان التفسير غير ممكن بالمقابلة مع اى كائن محدد التكوين لان الوجود الفردى سابق الماهية كما اسلفنا مما ينفى وجود الشكل الذى اعتبر نموذجا محدد المعالم وبمعنى اخر فان الجبرية ليست ذات موضوع بحث فالانسان حر بل الانسان حرية " (14)

" فاذا كان الله غير موجود فاننا لا نجد امامنا قيما تسير تصرفاتنا وتجعلها شرعية لذلك فاننا لا نجد امامنا او خلفنا اى نوع من التشجيع والموافقة او اى عفو على هفوه ...فنحن وحدنا بدون عفو او قبول تبرير وهذا ما اسميه الجبرية فى الحرية ..فالانسان مضطر ان يكون حرا وقد حكم علينا بالحرية فالانسان محكوم لانه لم يخلق نفسه وهو من جهة اخرى حر لانه منذ الساعة التى القى فيها فى هذا الكون وجد نفسه مسئولا عن كل ما يفعله ان الوجودى يعتبر ان الانسان مسئول عن عاطفته والوجودى يعتبر ايضا ان الانسان لن يجد عونا فى هذه الارض ولن يجد ما يهديه او يحدد له معالم سيره لانه يؤمن بان على الانسان ان يفسر هذه المعالم التى هى اشبه بالطلاسم وان عليه ان يحلها بطريقته الخاصة فهو يعتبر اذن ان الانسان مدعو فى كل لحظة لاختراع الانسان وان هذه الدعوة نوعا من الحكم الصارم الذى لا خلاص منه " (15)

هذه هى الاهمالية عند سارتر والمترتبة على الالحاد كما تعد فى ذاتها موقفا لصالح الفردانية

الفصل الثالث تقويم الحادية سارتر فى ضوء وجوديته

" اجل الالحاد شجاعة جسورة تفصح عن قدرة على مواجهة العالم كما هو ،لكنها تدفع ثمنا باهظا هو فقدان المعنى والخواء .اليأس الذى هو الموقف الحدى القصى ولا يمكن تجاوزه .هكذا تفضى الوجودية الملحدة الى شجاعة اليأس و العدم اما الوجودية المؤمنة فتفضى الى شجاعة الكينونة وتأكيد الذات " (16)

اللامبالاه هى شجاعة اليأس والعدم عندما يكون هناك انسانا بلا مقدس بلا نقطة محورية تتمركز حولها قيمة الذات من عدمه . لكن هل يعنى الالحاد غياب المقدس ام انتقاله من عالم السماء الى عالم الارض وعلى الاخص الى عالم الانسان باستطاعة الانسان الوجودى دائما ان يجد بداخل ذاته الوحيدة فى هذا العالم مقدس قد يكون الحرية ذاتها او الانسان ذاته كمقدس او اى اختيار آخر لمقدس يحمل ابعادا جمالية او اخلاقية من الممكن ان يكون هناك الحاد دون خواء الحادا ذا معنى عندما يكون هناك مقدس تنطوى عليه الذات ولا تكشف عنه بوضوح الا امام ذاتها ان التصدير الذى بدأت به هذه الورقة والذى يحث الذات الانسانية عن البحث فى داخلها عن المقدس الشخصى الذى يضفى المعنى على كل شئ فى الحياة لم يكن نوعا من العبث ولكننى اؤكد ان المقدس لا يوجد فقط فى السماء وانما يوجد داخل الذات ومن خلاله تضفى الذات معنى على كل شئ فى هذه الحياة او حتى فيما وراء الحياة لا شئ يعوق الذات اكثر من تلك العبودية للعقل الجمعى والقيم الجاهزة والعموميات السائدة فليكن لكل الهه الخاص دون تلقين من أحد انها شجاعة الالحاد او دعوته المستنيره لتحرير الفرد من كل ما يجعله اسيرا للمجتع والحشد الزائف

***

المصادر

جان بول سارتر : الوجودية مذهب انسانى ، ترجمة كمال الحاج ، منشورات دار مكتبة الحياة ، بيروت –لبنان ،1983 .

يمنى طريف الخولى : الوجودية الدينية دراسة فى فلسفة باول تيلتش ،دار الثقافة العربية ،الطبعة الثانية ،2005 .

يمنى طريف الخولى : بين الحادية سارتر والوجودية المؤمنة ، بحث منشور ضمن ندوة جان بول سارتر رؤى وقراءات ، المجلس الاعلى للثقافة ، من 12-14 ديسمبر 2005.




(1) يمنى طريف الخولى : الوجودية الدينية دراسة فى فلسفة باول تيلتش ،دار الثقافة العربية ،الطبعة الثانية ،2005 .ص 41 .

(2) يمنى طريف الخولى : بين الحادية سارتر والوجودية المؤمنة ، بحث منشور ضمن ندوة جان بول سارتر رؤى وقراءات ، المجلس الاعلى للثقافة ، من 12-14 ديسمبر 2005 ,ص 68 .

(3) يمنى طريف الخولى : الوجودية الدينية دراسة فى فلسفة باول تيلتش ،مرجع سابق .ص 55

(4) يمنى طريف الخولى : بين إلحادية ساتر والوجودية المؤمنة ، مرجع سابق ، ص 68

(5) المرجع السابق ، نفس الموضع

(6) جان بول سارتر : الوجودية مذهب انسانى ، ترجمة كمال الحاج ، منشورات دار مكتبة الحياة ، بيروت –لبنان ،1983 .ص 44 .

(7) المرجع السابق .ص 43 .

(8) المرجع السابق ص 45 .

(9) المرجع السابق ،ص 45

(10) المرجع السابق ،ص 46

(11) المرجع السابق ، ص47

(12) المرجع السابق ص 48

(13) المرجع السابق ص54

(14) المرجع السابق ص54

(15) المرجع السابق ص55

(16) يمنى طريف الخولى :بين الحادية سارتر و الوجودية المؤمنة ، مرجع سابق ،ص70 .