الجمعة، ٢ أكتوبر ٢٠٠٩

دى سوسير .. تحديدات أولية


بقلم : محمد سعد


فرديناند دي سوسير [ 1857 – 1913 ] عالم لغويات سويسري تعد أعماله من أهم الأعمال في مجال اللسانيات ومؤسس علم السيميولوجيا ( علم العلامات ) وهو اول من حدد موضوع علم اللغة وهو يعتبر أبو البنيوية رغم أنه لم يستخدم كلمة بنية وإنما استخدم كلمة نسق أو نظام ويعتمد البنيويون عامة وشتراوس وفوكو وبارت ولاكان وديريدا خاصة علي أفكار سوسير حول الرمز في أعمالهم فهم وإن كانوا يفتقرون لبرنامج عمل موحد فهم لا يفتقرون الأصل المشترك وأهم اعمال سوسير هو كتاب "محاضرات في علم اللغة العام" وقد نشر بعد وفاته سنة 1916 بواسطة تلاميذه.

أهم ما أدخله سوسير من إضافات في علم اللغة يتحدد في ثلاثة تمييزات كما حددها جون ستروك:
اعتبر سوسير اللغة نظام من الرموز تحدد مدلولات الرموز فيه من خلال العلاقات والإختلافات بين الرموز .

1- حلل سوسير الرمز الي مكونيه الدال Signifier والمدلول Signified والدال هو الجانب الصوتي من المادي من الرمز حيث يمثل الصوت في حالة اللغة المحكية أو الحرف المكتوب في حالة اللغة المكتوبة أما المدلول فهو الجانب الذهني فهو لا يشير إلي الشيئ بل يشير الي الصورة الذهنية أو الفكرة عن الشيئ، ويؤكد سوسير علي الوحدة بين مكوني الرمز حيث يشبههما بالورقة ذات الوجهين لا يمكنك تمزيق أحدهما بدون ان تمزق الوجه الآخر.

و يمكن تطبيق التمييز بين الدال والمدلول علي رموز خارج اللغة فأي شيئ يمكن أن يكون رمزاً مثل الصور والحركات البدنية ولكن بشرط أن يحمل الرمز رسالة ما تحددها طبيعة الثقافة التي نشأ بداخلها هذا الرمز فإيماءة الوجه مثلا يعتمد معناها علي اتفاق داخل ثقافة ما علي معانها بين المرسل والملتلقي عند استخدام تلك الإيماءة تستدعي ذلك الإتفاق .

2- ميز سوسير بين اللغة language والكلام Parole حيث اللغة هي النظام النظري الذي يضم قواعد اللغة بينما الكلام هو بمثابة التحقق العيني لتلك القواعد، وقد كان لذلك التمييز اثر كبير في الأعمال البنيوية حيث نجد لديهم تلك التفرقة بين البنية والحدث أي بين الأحداث والقواعد التي تتحكم في هذه الأحداث وأيهما أسبق وجوداً البنية أم الحدث.

3- التمييز الأخير الذي قام به سوسير يعتبر تحولاً في دراسة اللغة وقد يعد قطيعة مع التقليد اللغوي الذي كان سائداً حيث ميز بين محورين لدراسة اللغة المحور التزامني Synchronic والتتابعي Diachronic اما عن المحور التزامني لدراسة اللغة فهو يدرس اللغة علي اعتبار انها نظام يؤدي وظيفته في لحظة ما دون وجود اعتبارات للزمن أما المحور التتابعي فهو يدرس اللغة بإعتبارها نظاماً يتطور عبر الزمن ويرصد التغيرات التي تطرأ علي اللغة تاريخياً ويرفض سوسير المنظور التتابعي قائلا إن معرفة تاريخ الكلمة لن يفيد في تحديد معناها الحالي ويشبه الأمر أن يشاهد الشخص مشهداً ثابت بينما هو يتحرك قائلاً بانه من الأفضل له أن يثبت في مكانه حتي يتمكن من مشاهدة المشهد بشكل واضح فحركته لن تفيد في فهم طبيعة المشهد نفسه.

أدخل سوسير أيضاً فكرة في غاية الأهمية الي مجال البحث اللغوي وهي إعتباطية الرمز علي مستويين ، الأول هو إعتباطية الرمز علي مستوي الدال حيث انه لا يوجد علاقة طبيعية بين الدال وليكن كلمة وردة مثلاً وبين الوردة الحقيقة جعلتنا نطلق الدال ( و – ر – د – ة) بذلك التسلسل الصوتي المعين وانما توجد علاقة عرفية يتفق عليها الناس، والرمز اعتباطي علي مستوي المدلول ايضاً حيث ان لكل لغة مفاهيمها الخاصة بها والتي تختلف من لغة لأخري والمثال النمطي الذي يعطيه علماء اللغة هنا هو الألوان فعلي الرغم من أن الألوان واحده في كل زمان ومكان الا ان اللون البرتقالي في العربية يطلق عليه في الانجليزية Orange.

ما نخلص اليه من اعتباطية اللغة ان اللغة ليست شيئاً جوهرياً ثابتا وانما هي نظام من العلاقات بين رموز اللغة ويتحدد معني كل رمز من تلك الرموز من خلال علاقته الرمز بالآخر علي المستوي الصوتي والدلالي أيضاً فكلمة سرير مثلا لا يتحدد صوتها الا من خلال الكلمات التي تحدها مثل صرير فالاختلاف بينهما صوتياً يعطي الفارق بينهما وعلي المستوي الدلالي ايضاً فيجب تحديد كلمة سرير والتفرقة بينها وبين المنضدة، وعليه فالاختلاف هو ما يصنع المعني.

لم نلق الضوء هنا علي سوسير الا لنعكسه علي البنيويين وتأثير أفكاره فيهم وهذه بعض النقاط الهامة :

- اعتباطية الرمز ادت الي دخول أفكار الإختلاف والتعدد من اوسع الابواب باب اللغة التي ازاحت الانسان من علي خشبة المسرح الفلسفي فلم يعد هو وحده من يستأثر بالانتباه، فلم تعد اللغة مجرد وسيط للفكر بل اصبحت هي نفسها مساويه للفكر.

- اللغة تحتل موقعاً مركزياً هاما في فكر البنيويين وذلك لأن كلا من ديريدا وشتراوس وفوكو يتعاملون مع التراث الفلسفي أو الانساني وهو في النهاية ليس الا نصوص مكتوبة أو اساطير محكية في حالة شتراوس، لقد حلل شتراوس الأساطير علي انها نظم من الرموز والعلاقات ويتحدد معني الرمز فيها من خلال الموقع الذي يحتله داخل الأسطورة وكان حذراً من الوقوع في الخلط بين ماهو طبيعي وماهو ثقافي فهذا معناه الفشل في ادراك ماهو انساني علي سبيل المثال فقاعدة زنا المحارم عند شتراوس اول قاعدة أخرجت البشرية كلها من حالة الطبيعة الي حالة الثقافة وبمعني ما لم يعد هناك ما هو طبيعي بشكل خالص، كما ان فوكو في تحليله لخطابات الجنس والجريمة والمرض قام بتحليل تلك الخطابات من خلال الوثائق والنصوص وهي خطابات تحدد ما هو مسموح به وماهو غير مسموح، ان المسموح/مايجب فعله يعتمد في سلطته علي انه يمثل ما هو طبيعي بالنسبة للإنسان ولكن فوكو يكسر كل هذه السلطات ويحطمها فلم يعد هناك ما هو طبيعي ويعطي للخطاب سلطته في ظل فقدان معني أصلي، وديريدا ( علي الرغم من صعوبة وصفه بالبنيوي ) حين يقوم بقراءة النصوص من داخلها رافضاً البحث عن معاني للنص خارجه "تلك القراءة الكامنة" تتعامل مع النص ايضاً علي انه نظام من العلاقات يتحدد معناه من داخله فنحن لا نفسر النص من الواقع وانما نبحث عن الواقع داخل النص.

وهكذا نجد ان اللغة أصبحت هي المسيطرة علي الأفق الفلسفي في القرن العشرين

محمد سعد
ملتقى دروب الفكرى
تم عرض المقال فى جلسة28/9/09

هناك ٧ تعليقات:

هدى يقول...

تسلم ايدك

غير معرف يقول...

شكرا.......ولقد نظر دسوسير إلى الدال والمدلول من خلال نظرته إلى اللسان باعتباره مؤسسة إنسانية ليس لها علاقة بالحدث الفردي...

غير معرف يقول...

شكراجزيلا

غير معرف يقول...

شكرا لك، لخصت أبرز ما تبناه سوسير في بضع نقاط، أوجزت وأفدت.

غير معرف يقول...

merci pour les informations

غير معرف يقول...

ارى ان دي سوسير و أمثاله من الفلاسفة ما زادوا اللغات و خاصة العربية الا تعقيدا و فلسفية وأرى ان الحل الامثل هو الرجوع الى ب اللغة العربية و دراسة علومها و خاصة علم النحو كما اطلب من الأخوة التمسك بالكتاب و السنة على منهج سلف الأمة و السلام عليكم.

غير معرف يقول...

لقد غير الأسلوب المتعارف عليه في تحليل اللغة